تكتب لبنى مصاروة عن مفارقة قاسية كشفتها عاصفة بايرون: مجتمع يستعد للطقس العاصف بتعليمات وبنية تحتية، وشعبٌ محاصر يستقبل المطر بوصفه حكمًا بالموت. ترصد الكاتبة كيف انشغلت إسرائيل لأيام بتوقعات الأمطار وإجراءات السلامة، بينما واجهت غزة العاصفة نفسها بلا بيوت ولا شبكات صرف ولا حماية.
يتابع موقع ميدل إيست آي، الأوضاع الإنسانية والسياسية في فلسطين، ويقدّم قراءة ميدانية لتأثير العاصفة على قطاعٍ يعيش تحت حصار وحرب مستمرة.
استعداد هنا ومأساة هناك
توضح الكاتبة أن البلديات الإسرائيلية أرسلت رسائل خاصة للسكان، وأغلقت شركات أبوابها، وتسابق الناس إلى المتاجر، هكذا يستعد مجتمع يعمل عندما يقترب طقس سيئ. لكن تحت السماء نفسها، تحوّلت التوقعات في غزة إلى إنذار بالموت. ضربت عاصفة بايرون القطاع بأمطار غزيرة وفيضانات متواصلة، بينما احتمى مئات الآلاف من النازحين بخيام لا تقي من ريح ولا ماء، وقد غرقت كثير منها بسبب تدمير شبكات الصرف الصحي بفعل القصف.
يمضي “وقف إطلاق النار” المعلن شهره الثاني، ويواجه السكان أشد أيام الشتاء قسوة بلا مأوى جاف. تَظهر سريعًا مشاهد غرق الخيام وتمزق الأقمشة، وتَهرع العائلات في مياهٍ تصل إلى الركبتين لإنقاذ ما تبقّى من متاع. في الوقت نفسه، يواصل الاحتلال منع دخول المساعدات، وتنتظر أكثر من 6500 شاحنة على المعابر محمّلة بخيام وبطانيات وملابس شتوية ومواد صحية، بينما يمشي الأطفال حفاة ويرتدون ملابس صيفية في بردٍ قارس.
عالمٌ يغضّ الطرف
تُبرز الكاتبة أن العاصفة لا تعترف بالهدن ولا بالمفاوضات ولا بالوعود الإنسانية، لكنها كشفت فجوة فادحة في الحماية: من يُحمى ومن يُترك. يشيح قادة العالم بنظرهم، ويُترك أهل غزة لمصيرهم. يروي شاب في التاسعة عشرة، أُجبر على النزوح من خزاعة إلى خان يونس، كيف انهارت خيمته تحت المطر لأن العائلة لم تحمل معها ملابس شتوية عند الفرار من القصف. يتقاسم الإخوة بطانية واحدة بلا كراسٍ ولا فرش ولا دفء، ويغدو هذا المشهد علامة على التخلي لا على الصمود.
تعاني أحياء واسعة من غياب شبكات الصرف، فتجرف السيول مياهًا ملوثة إلى داخل أماكن الإيواء. يحذّر عاملون إنسانيون من تفشي الأمراض ومن خطر انخفاض حرارة الجسم والأوبئة المنقولة بالمياه. يَسقط شاب آخر ميتًا وهو يحاول سدّ نوافذ محطّمة بقطع نايلون لحماية عائلته من البرد، ولا يحظى اسمه بأي ذكر.
تطبيع السخرية وانهيار المعايير
ترصد الكاتبة مشاهد صادمة من الإعلام الإسرائيلي، حيث يَحتفي بعض المعلّقين بما أحدثته العاصفة في غزة، ويصفون تدمير الخيام بـ“التنظيف”، ويتمنّون اختفاء السكان معها. لا تأتي هذه الأصوات من فراغ، بل تعكس انهيارًا أخلاقيًا أوسع في النظر إلى معاناة المدنيين الفلسطينيين وتطبيع السخرية منها.
تتراكم النتائج سريعًا: ملاجئ غارقة، طعام تالف، وممتلكات مدمّرة، ويتمدّد اليأس بين عائلات استُنزفت مواردها في البقاء. تتفاقم المخاطر الصحية على الأطفال الذين أضعفهم الجوع والمرض. تكشف العاصفة حصيلة سنوات من حرب وحصار وفشل دولي، وتفضح عالمًا يسمح لشعب أن يغرق تحت المطر نفسه الذي يستعد له آخرون بسهولة.
تختم الكاتبة بأن العواصف تمرّ عادة وتتعافى البنى التحتية، لكن بايرون صار في غزة فصلًا كارثيًا من عزلة مفروضة. فضحت العاصفة إفلاسًا أخلاقيًا عالميًا يترك البشر يغرقون لأنهم وُضعوا في خانة “القابلين للاستغناء”. تشير الصورة النهائية إلى حقيقة مرة: ما جرى ليس حدثًا طبيعيًا فحسب، بل نتيجة سياسات ولا مبالاة صنعتا مأساة تحت المطر.
https://www.middleeasteye.net/opinion/gaza-storm-byron-brings-new-catastrophic-chapter-Israel-safe-dry

